بقلم محمد حمود
لبنان - تُسلّط موجة العنف الأخيرة ضد الدروز في سوريا الضوء على الأزمة الطائفية المتفاقمة في البلاد بقيادة أحمد الشرع، المعروف أيضًا باسمه الحركي أبو محمد الجولاني، العضو السابق في هيئة تحرير الشام. منذ توليه السلطة، كافح الشرع لفرض سيطرته الوطنية وسط مشهد ممزق بسبب عدم الاستقرار السياسي والانقسامات الطائفية وعودة ظهور الجماعات المتطرفة. اندلعت أعمال العنف الأخيرة بسبب مقطع صوتي زُعم أنه يُسيء إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم - نُسب زورًا إلى رجل دين درزي. ورغم أن هذا التسجيل الصوتي سرعان ما فضحه كل من رجل الدين والسلطات السورية، إلا أنه أعطى المتطرفين السنة ذريعة لشن هجمات منسقة على المناطق الدرزية، مما أدى إلى سلسلة من المواجهات الدامية.
الانقسامات الطائفية وانعدام الثقة
لا يمكن النظر إلى اندلاع العنف هذا بمعزل عن عوامل أخرى. فهو متجذر في انعدام الثقة الراسخ بين الطائفة الدرزية والحكومة المركزية. الدروز، وهم أقلية دينية ذات تقاليد من الاستقلالية والحذر السياسي، لطالما نأوا بأنفسهم عن الدولة. بعد سقوط نظام بشار الأسد، سعى الدروز إلى اندماج محدود في نظام ما بعد الأسد الناشئ، مطالبين بتواجد أمني محلي، واعتراف ثقافي، وضمانات مؤسسية. إلا أن التقدم كان بطيئًا، وتعثرت المفاوضات. وعززت الخلفية الإسلامية للرئيس الشرع شكوك الدروز، مما أدى إلى تعميق علاقة متوترة أصلًا.
في فبراير/شباط 2025، اندلعت اشتباكات في مناطق مثل جرمانا، إحدى ضواحي دمشق المعروفة باختلاط سكانها الدروز والمسيحيين. وأسفرت هذه المواجهات بين الميليشيات الدرزية والقوات الحكومية عن سقوط ضحايا من الجانبين. أفادت منظمات حقوق الإنسان بوقوع عمليات إعدام خارج نطاق القضاء بحق مدنيين دروز على يد وحدات موالية للحكومة، مما أدى إلى تفاقم التوترات وتعزيز المخاوف من القمع المُستهدف.
القيمة الاستراتيجية للسويداء
في حين أن العنف ذو طبيعة طائفية بلا شك، إلا أنه ذو بُعد استراتيجي عميق. تقع محافظة السويداء، المعقل الثقافي والسياسي للدروز في سوريا، على حدود الأردن ومرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. بالنسبة لدمشق، يُعدّ الحفاظ على السيطرة على السويداء أمرًا بالغ الأهمية - ليس فقط لسلامة الدولة، ولكن أيضًا لمنع تصاعد التمردات المدعومة من الخارج في الجنوب. ومع ذلك، فإن إنشاء المجلس العسكري للسويداء، وهو قوة يقودها الدروز ويدعمها قادة وميليشيات محلية، قد أنشأ سلطة موازية تتحدى بشكل مباشر مزاعم دمشق بالشرعية. أصبح هذا المجلس رمزًا وأداةً للمقاومة الدرزية، مما زاد من تعقيد جهود الحكومة لإعادة فرض سيطرتها.
إسرائيل والدروز: تدخل استراتيجي
جذبت الأزمة المتصاعدة قوى إقليمية إلى الصراع، أبرزها إسرائيل. فمع تجاوز عدد الدروز في الداخل 100 ألف نسمة، بالإضافة إلى 20 ألفًا في مرتفعات الجولان، تواجه إسرائيل ضغوطًا سياسية داخلية وحسابات استراتيجية تدفعها للتدخل. ردًا على المجازر المزعومة، شنت إسرائيل غارات جوية محددة على منشآت عسكرية سورية قرب دمشق، مدعية أن أفعالها تهدف إلى حماية الأقلية الدرزية من انتقام الحكومة.
طالب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو علنًا بنزع سلاح جنوب سوريا، وأصدر تحذيرًا صارخًا بأن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة التهديدات التي تواجهها المجتمعات الدرزية. إلا أن هذه الخطوات قوبلت بإدانة سريعة. اتهم الزعيم الدرزي اللبناني، وليد جنبلاط، إسرائيل باستغلال الأزمة لترسيخ نفوذها في الشؤون السورية. كما نددت الحكومة السورية بالغارات الجوية، معتبرةً إياها انتهاكات واضحة للسيادة والقانون الدولي.
لكن بعيدًا عن خطاب الاهتمام الإنساني، تتوافق أفعال "إسرائيل" مع استراتيجية إقليمية راسخة. يبدو أن ما يُسمى بـ"مبدأ المحيط" - وهو جهد لبناء تحالفات استراتيجية مع الأقليات في جميع أنحاء الشرق الأوسط - يعاود الظهور. وكما تحالفت "إسرائيل" سابقًا مع المسيحيين الموارنة في لبنان والأكراد في العراق، يبدو الآن أنها تُوطّد علاقاتها مع الدروز. الهدف ليس مجرد توفير الحماية، بل إنشاء مناطق عازلة موالية تُخفف من وطأة التهديد الذي تُشكله أي دولة سورية موحدة في المستقبل. وتتزايد الأدلة على أن "إسرائيل" تدعم تجزئة سوريا إلى مناطق شبه مستقلة - ربما ثلاث حكومات أو أكثر بحكم الأمر الواقع - مما يضمن عدم قدرة نظام مُوحّد ومعادٍ على إعادة بناء نفسه قرب حدود "إسرائيل".
تموضع تركيا الدقيق
على الرغم من عدم انخراطها المباشر في الصراع الدرزي، إلا أن تركيا لا تزال لاعبًا رئيسيًا في الحكومة السورية الجديدة. تحتفظ بوجود عسكري كبير في شمال سوريا، وتواصل جهودها لتوسيع نفوذها الإقليمي. وقد أدت الاتفاقات الأخيرة بين أنقرة وإدارة الشرع إلى
عززت هذه التطورات تقارب الحكومتين، لكنها وضعت تركيا أيضًا في منافسة استراتيجية مباشرة مع إسرائيل.
تؤكد التقارير عن تحليق طائرات تركية وإسرائيلية في مجالين جويين متداخلين على تنامي الاحتكاك والتقارب في طموحاتهما الإقليمية.
تدعم تركيا بقوة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وذلك إلى حد كبير لمنع ظهور حكم ذاتي كردي، والذي تعتبره تهديدًا رئيسيًا للأمن القومي. وعليه، تحذر أنقرة من أي تحركات نحو التفتيت، بما في ذلك في المناطق ذات الأغلبية الدرزية في الجنوب. وبينما تنأى تركيا علنًا بنفسها عن الأزمة الدرزية، فإنها تراقب تطورها عن كثب، مدركةً أن عدم الاستقرار قد يمتد ويهدد حدودها الجنوبية.
الخلاصة
لا يُعد العنف ضد الدروز مجرد انعكاس للعداء الطائفي، بل يُشير إلى فشل الدولة السورية العميق في بناء إطار سياسي موحد وشامل في حقبة ما بعد الأسد. إن عجز الشرع عن تحقيق مصالحة حقيقية مع الأقليات، وحل شبكات الميليشيات، واستعادة الثقة بالمؤسسات المركزية، قد سمح بتسارع وتيرة تفكك البلاد.
وقد وجدت قوى إقليمية، مثل "إسرائيل" وتركيا، كلٌّ منها تسعى لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، فرصةً في هذه الفوضى. فبدون التزام حقيقي بحقوق الأقليات والحكم الشامل، سيبقى جنوب سوريا أسيرًا لدوامة متقلبة من العنف والتدخل الأجنبي.